-->
Natural Sciences Natural Sciences
https://in3ormation.blogspot.com/]

news

https://in3ormation.blogspot.com/]
جاري التحميل ...

المقدمة: هذا الكتاب يتحدث عن القيم، عن القناعات والمشاعر التي تحدد ما يستحق القيام به أثناء حياتنا القصيرة على وجه الأرض، وعن الأفعال والتوجهات التي ستضيف إلى حياتنا عنصر الإشباع والرضا. يدور هذا الكتاب أيضاً حول الهوية؛ أي حول الطموحات والمواهب والقرارات والخصائص التي تُشكل ما نحن عليه.
لكن من أنا حتى أكتب هذا الكتاب؟ الإجابة الصادقة هي أنني لست بشخص مميز بشكل ما. أنا لست فيلسوفاً أو عالم اجتماع متمرساً، كما أنني لست بأحد كبار رجال الأعمال العصاميين الذين شيدوا شركاتهم الخاصة من الصفر، ولكن مؤهلي الوحيد – في الحقيقة – هو حياتي الخاصة؛ حياة أجبرتني على التفكير طويلاً وبعمق في هذه الأمور.
على رأس القيم الجوهرية التي سأتحدث عنها في هذا الكتاب:
مفهوم الثقة: "الثقة" بصفة عامة، هي الاعتقاد بأن العالم مكان صالح، وليس مكاناً بلغ حد الكمال، بل مكان صالح، كما أنه يستحق الجهد المبذول لجعله أفضل مما هو عليه. إذا أردت أن تحيا في هذا العالم بفاعلية، بالإضافة إلى الاحتفاظ بحالة مزاجية طيبة، فمن المفيد للغاية الإيمان بهذا المفهوم.
الثقة في الحياة لا يمكن فصلها عن الثقة في البشر، وهذا اعتقاد مبني على أن البشر، على الرغم من كل ما بهم من نقائص، إلا أنهم في الأساس حسنو النية. 
بالطبع لا يؤمن الجميع بهذا، يعتقد بعض الناس أن البشر أشرار في الأساس؛ جشعون وأصحاب طبيعة تنافسية، بصراحة أشعر بالأسى على هؤلاء الذين ينظرون إلى الأمر بهذا الشكل، من المؤكد أن من العسير عليهم أن يحافظوا على علاقات صداقة متفتحة ويعملوا دون تدبير المكائد والاحساس بالشك.
الاعتقاد، أو فلنقل الإيمان بأن الناس مجبولون على الخير، هو إحدى القيم الجوهرية والتي تسمح لنا بأن نشعر بالراحة في هذا العالم.
من أين تأتي كل هذه الثقة التي لا بديل عنها؟ يجب أن تبدأ بعائلة متحابة ثم تتسع خارج نطاق هذه العائلة لتشمل مجتمعاً آمناً يهتم بأفراده.
إذا كانت الثقة هي القيمة الجوهرية التي سمحت لي بالتعامل مع العالم بابتهاج، فإن التسامح هو السمة المساوية لها في الأهمية، والتي تسمح لنا بالتعامل مع الاختلافات والصراعات. لنكن صرحاء: إذا كان البشر متشابهين إلى حدٍ ما – إذا لم تكن هناك اختلافات في العرق والدين والجنس والميول السياسية -  فستكون الحياة أسهل بشكل ما، لكن ألن يكون ذلك مملاً؟! إن التنوع هو بهار الحياة، وقدرتنا على تقبل الاختلاف تُثري حياتنا.
حينما نصبح ضحايا للتحامل أو التحيز غير العلني، فإننا نقلص حياتنا ونجعلها أكثر فقراً، استمر في الانصياع لعدم التسامح، وفي النهاية ستجد أن عالمك لن يضم سواك بالإضافة إلى القليل من الأشخاص الذين يشبهونك؛ ليتحول إلى ما يشبه نادياً ريفياً صغيراً ينضح بالتكبر ويُهلك من فيه!
قيمة أخرى من القيم الجوهرية في حياتي؛ وهي الاعتقاد القوي بأهمية التعليم. فنوعية التعليم الموجه لتحقيق هدف ما هي مجرد أحد أوجه المعنى الحقيقي للتعليم، كما أنه أيضاً ليس أهم هذه الأوجه، الحياة هي ما تصنع أيادينا. وإذا أردنا لحياتنا أن تتسم بالثراء والكمال والرضا بقدر الإمكان، وجب علينا أن نحاول معرفة كل شيء، وليس فقط مجرد ما نحتاج إلى معرفته لنحصل على قوت يومنا، بل كل الموضوعات التي لا تعد ولا تحصى في محيط تخصصاتنا.
التعلم من الكتب هو بالتأكيد جزء من هذا المفهوم الشامل للتعليم، وهو بالتأكيد جزء رائع، هذه قناعة آمنت بها بشكل أساسي من مراقبتي لجدي، والذي أوضح لي مقدار ما يحصل عليه المرء من طمأنينة ومتعة من خلال الجلوس بهدوء ومطالعة كتاب.
أعتقد أن التعليم، بشكل جوهري، هو اشباع للفضول، وأحد أفضل الأشياء التي يمكن أن يمنحها الآباء لأبنائهم، بناءً على ذلك، هو الحفاظ على استمرارية هذا الفضول، في منزلنا، كان هذا يحدث من خلال المناقشات المتنوعة والنصائح المتكررة بالبحث عن معاني الأشياء.
من بين كل الوسائل، وربما تكون الوسيلة الأكثر تأثيراً، التي استخدمتها والدتي لتؤكد لي على قيمة التعليم كانت تعليمها لي بأن لكل شخص قصة تستحق أن يُنصت لها، وهذه طريقة أخرى لنقول إن لدى كل شخص شيئاً ليُعلمه للآخرين.
أين الخط الفاصل بين الارشاد الأبوي النابع من الحب وبين التدخل المبالغ فيه؟ في أية مرحلة تتحول المساعدة إلى تحكم؟ ما مقدار الاهتمام الأبوي الذي يتحول إلى اهتمام خانق؟ ما مقدار الخيارات التي يملكها الشاب حقاً لتحديد مصيره؟ وما مقدار حرية الاختيار الذي يجب أن يتمتع به؟ هل هناك شيء يُعرف بالحرية الزائدة عن الحد والاختيارات المبالغ فيها؟
في منزل عائلة "بافيت"، كان هناك تناقض أساسي فيما يتعلق بهذه الأمور، لم يكن أسلوب والديّ هو أن يُخبرانا ونحن أطفال عما يجب أن نفعله أو عما يجب أن نكون عليه. على العكس كان الدرس الدائم أثناء نشأتنا، هو أننا يمكننا أن نكون ما نريده، وأننا يجب أن نتبع قلوبنا حيثما توجهنا.
لكن الحياة ليست بمثل هذه البساطة أبداً. أليس كذلك؟
فإلى جانب الرسالة الواضحة القائلة، إن اختياراتنا خالصة لنا لنصنعها وإن حريتنا في جوهرها بلا حدود، كان هناك نمط من الرسائل الضمنية يتوازى مع الرسائل السابقة والذي ينزع إلى توجيه اختياراتنا وتقييد حريتنا، هذه الرسائل الضمنية بالطبع اتخذت شكل التوقعات الأبوية، وهذه الرسائل موجود في كل عائلة، ونادراً ما يصرح بها علانية.
أحد التوقعات الضمنية في عائلتنا كانت أن الأبناء سيبذلون أقصى ما يستطيعون من جهد في المدرسة، لم أتعرض لضغوط للحصول على تقدير امتياز، لكن كان من المُسلم به أنني سأتعامل مع الدرس بجدية واجتهاد. لم يكن هذا الافتراض شيئاً سيئاً على الاطلاق، بل إنه أطلق محفزاً إيجابياً، من المتوقع مني أن أجتهد في دراستي، وهذا يعني بلا شك أن بإمكاني أن أجتهد في دراستي، ونتيجة لتسلحي بهذه الثقة، اجتهدت في دراستي وأشعرني ذلك بالراحة.
هل يمكن أن تكون الحرية نقمة، أو أن يكون امتلاك خيارات كثيرة أمراً ضاراً؟
لنكن واضحين ولا نختلق الأعذار، عندما يُسيء الناس استخدام حريتهم، فهذا ليس خطأ الحرية بل هو خطؤهم!
الحرية يجب أن تُدار. يجب أن تُضبط من داخل المرء ذاته. كان لأمي قول مأثور – والذي يُلخص ما سبق. حيث اعتادت على أن تُخبرني بأن بإمكاني أن أكون ما أرغب فيه مهما كان، لكن ليس بإمكاني أن أفعل كل ما أُريده، بعبارة أخرى، يمكن أن يكون طموحي بلا حدود، لكن سلوكياتي كانت تخضع لحدود الصواب والملائم.
في أغلب مناحي الحياة تعد القدرات العادية جيدة بما فيه الكفاية. بل في الحقيقة هناك مزايا حقيقية لكونك شخصاً عادياً، حيث إن ذلك يُبعد الضغوط ويجعل التوقعات المطلوبة منك ممكنة قدر المستطاع.
أما فيما يتعلق بالمهنة الحقيقية للمرء، فإن القدرة العادية لا تحسم الأمر، إذا كان شغفك هو أن تصبح طاهياً، فمن الواضح أنه لن يكفيك أن تكون قدراتك في العمل في المطبخ عادية، لا يرغب أي مدرس ملتزم بأن يكون مستواه عادياً في الفصل. لا يريد أي مؤلف أن تكون كلماته المطبوعة عادية.
مهننا هي المجالات التي نتوق إلى البراعة فيها، وإلى أن نتميز فيها عن أقراننا. هذا التوق شيء رائع، فهو يُعلي من شأننا، ويُخرج أفضل ما فينا، ويقودنا إلى اكتشافات وانجازات يمكننا أن ندعى بصدق أنها من صنع أيدينا.
ما الذ نعنيه عندما نتحدث عن المزايا؟
التعريف المعتاد يتعلق بالطبع، بالمال والمزايا المادية؛ لكنني أنادي بالحاجة إلى تعريف أكثر شمولاً، لأن المزايا يمكن في الحقيقة أن تتخذ العديد من الأشكال. فالأسرة المتحابة التي تدعم بعضها تمثل ميزة، وكذلك العناية التي يوليها المعلمون والمرشدون لطلابهم، التعليم ميزة، وهنا لا أتحدث فقط عن التعلم من الكتب، ولكن عن التعلم بمعناه الواسع أيضاً؛ فأنا أقصد التعامل مع عالم رحب ممتلئ بأشخاص مختلفين من خلفيات ثقافية متعددة والانخراط فيه؛ وهو التعليم الذي يُعمق فهمنا للحياة ويُشركنا جميعاً في حالة من التعاطف.
المزايا تشبه التلسكوب. إن نظرت من أحد طرفيه، يمكنك أن ترى طريقاً طويلاً لعالم لا حدود له؛ وإن نظرت من الطرف الآخر، فسيتقلص هذا العالم ليُصبح مجرد رقعة ضيقة. بما أن الحياة هي ما تصنعه أيادينا، فالقرار الخاص بأية نهاية ننظر منها يعود إلى كلٍ منا.
من وجهة نظري، إن الحياة المتواضعة – خاصة عندما نكون شباباً، ومبتدئين في الأساس في السير على الطريق الوعر للسيطرة على حياتنا – ليست عقوبة، لكنها تحدٍ مفيد. وكونك مفلساً أو على شفى الإفلاس هي حالة من الملائمة التامة لمرحلة محددة من حياتك، والتي تختبر براعتنا وقدرتنا، ومن المحتمل أنها تُبعد بؤرة تركيزنا عن "الأشياء المادية" لتوجهها إلى البشر والتجارب. وهذه ليست مأساة!
في المسار الطبيعي للحياة، تأتي المكافآت تدريجياً. هذا جزء من التشويق والمتعة في الحياة، وهو أن نشعر بأنفسنا نتقدم للأمام، وتزيد كفاءاتنا ومعرفتنا، ونُجازى عمّا حققناه من تقدم، سواءً بالمال أو بالترقي المهني أو بالرضا الخلاق، فالنجاح مهما كان تعريفاً له، يأتي رويداً.
هذه العملية في نظري، يجب أن يتم الاستمتاع بها، وسوف نخسر أكثر مما نربح إن تعجلنا للخلاص منها، لكن مرة أخرى يُصبح السؤال الأساسي هو: أيهما نُقدره أكثر من الآخر؛ المال أم الوقت؟
هل نتبع السبيل الذي نلاحظ أنه الأسرع لتحقيق رفاهية العيش، أم نعيش على الكفاف لفترة، حتى نُعطي لأنفسنا الوقت اللازم لنتطور؟ بشكل شخصي، لم أعرف من قبل قط شخصاً أضره العيش على الكفاف لفترة من الوقت.
هل شاهدت من قبل جميع أسماء من شاركوا في صنع الفيلم والتي تظهر في نهايته؟ عمل مئات الأشخاص بكد حتى يصنعوا هذا الفيلم ليُعرض على الشاشة؛ من العسير أن تتخيل مشروعاً يُعبر عن التعاون بكل ما في الكلمة من معنى أكثر من ذلك. ومع ذلك ففي لحظة قيامهم بمهامهم المنفصلة، عمل كل منهم بمفرده، لقد أضفى كل منهم من ذاته أو من شخصيته على هذا المنتج النهائي، ولكل شخص نصيب من حرفية العمل ومن الشعور بالفخر به.
كما هي الحال مع الفيلم، فالأمر مشابه في المدرسة أو العيادة أو المؤسسة، أو في أي مكان تعمل به مجموعة من الناس بمفردهم ثم يكملون العمل معاً ليحققوا هدفاً يشمل عواطفهم وطموحاتهم جميعاً. فمن خلال التعاون والعمل الجماعي، يمكن للناس أن ينجزوا أشياء أكبر وأعظم مما يمكن أن ينجزها أي شخصٍ بمفرده؛ إلا أن العمل الجماعي لا يتحقق إلا إذا أضفى كل فرد على هذه الجهود من تفرده وموهبته الخاصة.
يمنح كل شخص شيئاً ما يقوم به، ولذا فهو ما زال يمتلك ما منحه.
هذا الإدراك، حسبما أعتقد، يعد بمثابة جسر مصيري بين اكتشاف ما وهبه الله لنا واستغلال هذه الهبة. 
اكتشاف ما وهبه الله لنا هو في الأساس رحلة اكتشاف للذات. أين تكمن موهبتنا؟ ما الأشياء التي نهتم بشأنها حقاً؟ ما المهن التي تسمح لنا بالشعور بأننا صادقون مع أنفسنا، وأننا نحيا الحياة التي كُتب لنا أن نحياها؟
العبقري لا يقترف الأخطاء. فأخطاؤه متعمدة، وهي سبيله للمعرفة.
كتب "جيمس جويس" هذه العبارة في إشارة إلى شكسبير. ربما تكون العبارة صحيحة عندما يتعلق الأمر بالعباقرة؛ فمن يعرف؟ لكن بقيتنا يقترفون الكثير من الأخطاء، كما أنهم لا يتعمدونها أيضاً. نحن نُخطئ لأننا بشر. 
نحن نُخطئ لأننا لا نعرف إلا أقل القليل؛ ونُخطئ لأننا نتخيل أننا نعرف أكثر مما نعرف بالفعل.
إننا نُخطئ عندما ينفد صبرنا؛ وبالمثل نُخطئ عندما نتردد. لكن مهما كان مصدرها أو درجتها، فهناك شيء واحد تتشارك فيه كل أخطائنا وهو: أنها فُرص للتعلم. إنها سُبل للمعرفة، ليس فقط للعباقرة، بل لبقيتنا أيضاً.
عندما نجيب إجابة خاطئة عن أحد أسئلة الحياة التي لا حصر لها، فإننا على أسوأ الفروض نقترب خطوة واحدة صوب الإجابة الصحيحة، أو على الأقل الإجابة المناسبة لنا. عندما نُخفق ثم نواجه عقبات اخفاقنا، تسنح لنا فرصة اكتشاف ما فشلنا فيه، وسبب هذا الفشل. وباختصار، اخطاؤنا هي سبيل تطورنا.
إن أبينا أن نمنح أنفسنا بعض الحرية لنُخطئ، فإننا بذلك سنعزف عن انتهاز الفرص؛ وإذا لم ننتهز الفرص، فربما لن نكتشف ما نشغف به أو نعرف حقيقتنا. إن خفنا من أن نتعثر في طريقنا، فلن يمكننا إلا أن نتبع الآخرين وحسب.
في أغلب الأحيان، حسبما أعتقد، يرى الناس تحقق أمنية ما على أنه اكتمال الأمنية، وعلى أنه نهاية العملية. لكن ألا يُصبح الأمر أكثر منطقية بأن ترى تحقق الأمنية على أنه استهلال، وأنه بداية شيء ما؟ إن الإثارة الحقيقية والاشباع الفعلي يكمنان في رؤية ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الأمنية.
لكن دعنا نرى الأمر من زاوية عكسية: ما الذي يحدث عندما لا تتحقق الأماني؟
عندما لا تتحقق أمنية ما، فإننا نُجبر على النظر إلى ما هو أبعد من ذلك، وأن نفكر بجدية أكبر وبتعمق أكثر حول ما نريده حقاً، وما الذي سيشعرنا بالسعادة بالفعل. في بعض الأحيان تكون الأمنية التي لم تتحقق في حقيقتها نوعاً من التحرر.
الأماني تقودنا إلى غايات محددة تُقنا إليها طويلاً؛ وهي تميل إلى أن تجعلنا نركز اهتمامنا على جزئية صغيرة محددة في هذه الغاية، وهذا أمر لا بأس به، حيث أن امتلاك أهداف وتحقيقها يمكن أن يكون مصدراً عظيماً لاحترام الذات والمتعة.
لكن هناك خطراً ما أيضاً، يمكن لهدف محدد جيداً أن يُعمي أبصارنا عن عالم كامل من الخيارات والتي تتواجد في أي مسار يمكن تخيله. عندما لا يتحقق هدف ما – عندما لا تتحقق أمنية ما – فإن ذلك يجبرنا على أن نفرك أعيننا وننظر مرة أخرى لهذا العالم الرحب.
 (ما الذي نعنيه عندما نقول النجاح)
صادفني اقتباس علق بذاكرتي من حينها وإلى الآن، لأنه من الآراء الغامضة والمحيرة التي تصبو إلى معنى بعيد يتجاوز مجرد الكلمات البسيطة: "مفتاح الوصول إلى الكنز هو الكنز".
تفكر في الآتي: يبدو أن العق معتاد على تخيل "النجاح" على أنه شيء ملموس؛ على سبيل المثال، صندوق كنوز القرصان يمتلئ بالذهب أو المجوهرات أو أي شيء نُقدره؛ لكن ما نفع صندوق الكنز إن لم نقدر على فتحه؟
وكيف نفتحه والمفتاح الذي نحمله بين أيدينا لا يناسب هذا الصندوق بعينه والذي نحاول أن نفتحه؟
هذا حسب ما أعتقد هو جوهر فكرة أن مفتاح الكنز هو الكنز. هناك عدد لا يحصى من الكنوز التي تنتظر أن نبحث عنها، لكن المفتاح الذي يحمله كل منا في يديه هو ما يُحدد أي هذه الكنوز يخصنا.
هذا المفتاح الغامض الذي يمتلكه كل منا، مم صُنع؟ إنه مصنوع من مزيج شخصي فريد من المواهب والميول والهوى. الكنز الذي يمكن أن يفتحه هذا المفتاح، وبهذا المفتاح فقط دون غيره، هو تعريف النجاح الذي نحدده لأنفسنا.
الحياة هي ما تصنعه أيادينا، وجزء من النجاح يكمن في الوصول إلى فهم للماهية التي يجب أن يكون عليها نجاحنا. لا يمكن لأي شخص آخر أن يحكم إن كنا قد حققنا أهدافنا أم فشلنا في تحقيقها.
يمكن أن يُمطرنا العالم بالمكافآت، أو يمكنه أن يضن بها علينا، فهذا شأنه، لكن لا يمكن للعالم أن يحكم على القيمة والمشروعية الأساسية لما نحاول تحقيقه؛ فهذا شأننا نحن فقط، والنجاح الذي نحدده لأنفسنا هو الكنز الذي لا يمكن أن يخبو بريقه أو يُسلب منا.
لم يجب أن نجتهد في العمل؟ لأنه الطريق المضمون وربما يكون الوحيد لاحترام الذات.
لم يجب أن نكافح؟ لأن الكفاح يُخرج أفضل ما فينا، ويخبرنا بحقيقتنا، وبما لدينا لنقدمه، وبمقدار ما نستطيع تحقيقه.
ماذا يتبقى لنصنعه بعد أن تحقق ثراء العائلة بالفعل؟ كل شيء!
هذه النقطة الأخيرة، حسب ما أعتقد، يجب أن تكون واضحة، فكسب المال في النهاية، يُشكل جزءً صغيراً من المدى الكامل للأنشطة الإنسانية والإمكانات البشرية. مع ذلك ما زال مجتمعنا يؤكد بشدة على أهمية كسب القوت لدرجة تتوارى معها باقي الأهداف والطموحات في بعض الأحيان.
الأغلبية العظمى من الناس تعمل لمجرد أنه يجب عليهم العمل، فالطعام يتطلب مالاً! هناك إيجار أو قسط الرهن العقاري الذي يجب دفعه. هذه حقائق اقتصادية أساسية، وهناك أيضاً الكرامة والكبرياء المبرر الناتجان عن التغلب على التحديات التي تفرضها هذه الحقائق.
لكن عندما لا يصبح المال هو الدافع الأول، تظهر تحديات أخرى على القدر نفسه من الإلحاح والمشروعية. أؤمن بشدة بأن التحديات والطموحات الأخرى، على شاكلة الانجاز الإبداعي أو الخدمة العامة – تتساوى في مشروعيتها مع الطموح الموجه لكسب المال. لكن ما أقوله لا يهم، بل كل ما يهم ما تؤمن به في سويداء قلبك. بالنسبة لبعض أبناء وبنات العائلات الثرية، يُصبح هذا عائقاً صادماً حقاً. إن من يمتلكون المال – أو كما يقول المثل الأمريكي "أبناء المال" – يمثل إلى حد كبير جزءً من الكيفية التي يُعرّفون بها أنفسهم ومكانتهم في العالم، لدرجة يتطلب معها اعتناق جوانب الحياة الأخرى بالقدر نفسه من الشرعية والوضوح طفرة حقيقية في القدرة على التخيل.
كل الآباء يريدون حياة رائعة لأبنائهم، الأغلبية العظمى من العائلات، وحتى العائلات الموسرة بالفعل، تتخيل وجود حياة أفضل يمكنهم أن يُقدموها لبناتهم وأولادهم. هذه الأشياء تُعد من المسلمات، نتقبلها دون تفكير أو تردد؛ لكن ربما لا يجب علينا ذلك، ربما يجب علينا ان نفكر أكثر في هذه الكلمات البسيطة والمفاهيم الأساسية.
ما درجة ثقتنا – إلى أي مدى يجب أن نثق؟-  في تعريفنا لما تكون عليه الحياة الجيدة؟ ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن حياة أفضل؟ هل تتساوى فقط مع المزيد من المال والمزيد من المزايا؟ هل نتفكر حتى فيما يمكن أن يُفقد بينما يُربح المال والمزايا العينية؟
لم تَدُر أحلام يقظة البشر حول ربح المزيد من المال؛ لكن حول المزيد من الحرية، ولا حول المزيد من القوة؛ لكن حول ضغوط أقل، ولا حول مكانة أرقى؛ بل حول الرضى النابع من الإبداع. فمدير مشروع لتكنولوجيا المعلومات يحلم بقيادة رحلات استكشافية سيراً على الأقدام، ورجل أعمال مغامر ناجح يتخيل كونه سائقاً لدى مؤسسة يونايتد برسل لخدمة النقل
ما الذي يحدث هنا؟ في وجهة نظري، هذه "الوظائف الحلم" المدهشة تمثل التحرر من التفكير النمطي والميول التقليدية، كما تمثل عودة مشروعة للسؤال الأساسي في فترة الطفولة والخاص بما نرغب في أن نفعله عندما نكبر.
وهذا يستتبع طرح سؤال بسيط آخر، لماذا لانفعل ما نُحب؟
لا أتحدث عن الخيارات الطائشة، أو الخيارات الناتجة عن إطلاق العنان للشهوات، أو الخيارات الناتجة عن الكسل.
أنا أتحدث عن اختيارات تعكس قيمنا الشخصية، وتوضح أوسع مجال ممكن لما نمتلكه من مواهب وإبداعات.
إن بدا أن التدريس هو ما سيحقق لك الرضا، فلم لا تختار هذا الطريق؟
إن كنت تشعر بالانجذاب تجاه العمل خارج المكاتب بعيداً عن مراكز التجارة والثروة، فلم لا تتجه لذلك؟
في النهاية، سأقول لك ما قلته لنفسي آلاف المرات:
حياتك ملكك لتصنعها، وعليك أن تشعر بالعرفان لوجود هذه الفرصة. اقتنص هذه الفرصة بشغف وجُرأة، مهما كان ما قررت عمله، التزم به بكل ما لديك من قوة ... واشرع فيه الآن.
ما الذي تنتظره؟
.....
 
- See more at: http://www.waraqcast.com/m/index.php?action=view-blog&id=47#sthash.cyYVk988.dpuf

عن الكاتب

Unknown

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة لـ

Natural Sciences

2017